اختتام ملتقى الشارقة للخط العربي في نسخته الثامنة

اختتام ملتقى الشارقة للخط العربي في نسخته الثامنة

شهد ملتقى الشارقة للخط العربي في دورته الثامنة التي اختتمت منذ أيام، مقاربات متنوعة لمفهوم “النقطة” التي اتخذها الملتقى هذا العام شعاراً له، تدور حولها أعماله، وتحاورها من عدة نواحٍ، وبرؤى مختلفة، مستلهمة مختلف الدلالات الرمزية للنقطة، التي هي في بعدها العميق الصورة الأولى لتحقق الكون، وخروجه من العدم إلى الوجود.

أصبحت النقطة هي المعيار الذي يقاس به طول الخط، ومسافاته وأطوال الفراغات والانحناءات، وهي إعجام الحرف في العربية، ووحدة القياس الأساسية في فن الخط، وفي الهندسة يبدأ كل خط بنقطة، كما أنها مفهوم عالمي فني وفلسفي يمكن أن يقيم روابط بين الخط العربي وفنون أخرى، وقد شكل كل واحد من المعارض التي نظمت خلال المعرض منظوراً تنويعياً على هذا الموضوع، ففي المعرض الرئيسي الذي خصّص للخط الأصيل، ظهر التعامل مع موضوع النقطة في الالتزام الأصيل بها كمعيار لقياس الحروف في المنجز الخطي، فكل الأعمال التزمت بقواعد الخط الأصيل، كما في أعمال العديد من الخطاطين العرب.

في المعرض المعاصر الذي أطلق عليه معرض “النقطة وتجلياتها” وضم تجارب عالمية، شكّل هذا المعرض مقاربة مختلفة لم تقتصر على الخط العربي بل تجاوزته إلى الفنون الأخرى التي تشترك معه في استخدام النقطة، وتتضح هذه المقاربة في نوعية المشاركة، وجنسيات المشاركين، التي أغلبها يقع ضمن فنون التشكيل والأعمال التركيبية، ومعظم المشاركين فيه هم من جنسيات غير عربية، ويسعى ملتقى الخط من خلال إدارج هذا المعرض ضمن فعالياته، إلى لفت الانتباه إلى تجليات النقطة في الفنون المجاورة للخط، وكونها تمثل قاسماً مشتركاً يربط بين مختلف الفنون، وقد عكس المعرض أوجه مقاربة بين الخط العربي الأصيل والهندسة، كما عكستها أعمال إريك ديمن وابنه مارتن اللذين قدما ثلاث منحوتات من ورق المطبوعات المطوي، والعديد من المطبوعات تستخدم مزيجاً من الكلمات العربية والإنجليزية لتوضيح التفسيرات الفنية للخط، وبأشكال مختلفة تعكس الإمكانات الهندسية للحرف، أما الحرف كلوحة فنية فيمكن أن يندمج مع الطبيعة في مشهديتها الواسعة في الفضاء الخارجي، فقد عكسته أعمال الفنان الجنوب إفريقي أندرو فان دير ميرفي التي قدّمت لوحات مصورة لبعض الأعمال الخطية، وهي عبارة عن توليفة دائرية من حروف عربية تحاكي خط الثلث، وشكّلت بذلك إيقاعاً متناغماً مع المحيط الطبيعي للشاطئ المتمثل في الماء والخضرة والجبال، وركز الفنان الروسي بوكراس لامباس على الإمكانات الفنية الكبيرة التي يتيحها مزج الحرف باللون في الشارع (الجرافيتي)، وهناك أعمال حروفية كثيرة اشتغلت على الحرف واللون والضوء.

أما معرض “حروف إماراتية” الذي نظم بالتعاون مع جمعية الخطاطين الإماراتيين، فقد شكل مقاربة ذات خصوصية محلية لموضوع النقطة، ورغم جمعِهِ عدة اتجاهات ورؤىً فنية، فقد حاول الخطاطون الدوران في الموضوع، سواء من زواية أصيلة أم من زاوية حداثية، فمن أعمال عائشة الحساني المرتكزة على خط الديواني الأصيل، استغلت فيها التوازن اللفظي والإيقاعي في جمل سورة “الشمس”؛ لصناعة إيقاع شكلي دائري يحيل على النقطة، إلى لوحات محمد عيسى خلفان الأصيلة بدورها المبنية على هندسة خط الثلث، إلى الرسم التشكيلي بالحرف في عمل مريم الصالحي، ثم لوحة فاطمة عبدالرحيم الزخرفية التي استغلت فيها إمكانات الخط النيسابوري، بما يقدّمه من خصائص في صناعة الضفائر والتشجير، حتى تغدو لوحاته رسوماً فنية بديعة، وذلك حسبما ذكرت صحيفة “الخليج” الإماراتية.

لم تقتصر مقاربة النقطة على الأعمال المنجزة، فقد أقيمت كذلك ندوة تبحث في النقطة كان عنوانها “النقطة في المشهد الفكري والبصري والجمالي”، التي درست نظرية النقطة بوصفها مشروعاً لبرنامج فني وبصري واسع، تجريدي وتشخيصي، يعيد الاعتبار إلى التصوير عبر فن الخط، والبحث بالتالي في الجمالي، وقادت إلى تأملات رسمت ملامح واضحة لنظرية جمالية في فن الخط، توصف أحيانا بأنها وهمية لا تتحقق إلا بالبرهان ولا تعرف إلا بالخبرة، وهذه المقولة لها موسيقى بصرية، تترجم أحاسيس الفنان وهو يصوغ نغماً بذاته، وتبقى النقطة لازمة موسيقية بصرية وجمالية.


إضافة تعليق