اللغة بقوّة القانون

اللغة بقوّة القانون

تُطالب جمعيّات اللغة العربية، اليوم، الدول والسلطات العامة بتدخُّل سياسي ـ قانوني لفَرض اللغة ودسْتَرَة العمل بها في فَضاءات الإدارة والقضاء والاقتصاد والأعمال. وتُدافع هذه الجمعيات الآن ـ كما دافع أنصار التعريب بُعيد استقلال الدول العربية الفتيَّة في خمسينيات القرن الماضي ـ عن ضرورة التدخُّل السلطوي للدولة باعتبارها الراعية الأولى للهويّة. أليست العربية مُقوّم الهوية الأوّل؟ أليست جزءاً لا يتجزأ من شرعيّة الدولة ذاتها؟ هذه المنافحة ـ على صدقها وشرعيتها ـ قد تخلق دون وعي ضرباً من الاقتران التلازمي بين السلطة واللغة، والقهر والعبارة.

وهو ما يتنافى مع الطبيعة التلقائية للّغة وجوهرها العاطفي الذي يحمل الأفراد والجماعات على تعاطيها. أليس من الأحرى أن تَقوم مؤسسات المجتمع المدني بكل ألوان الأنشطة الترغيبية حتى تُحبّب الناشئة في هذه اللغة وتكسر اقتراناتها اللاواعية والواعية بالعنف والقِدَم ورِمال الصحراء وقسوة البادية؟ وأولى الوسائل في ذلك سعي دؤوب لتبسيط قواعدها، ونزع هالات الأسطرة عن تراثها المُتقادم، وفكّ الارتباط بينها وبين البلاغة المهترئة، والعبارات العقيمة. فَليس في كلّ استخدامات العربية ـ ولا سيما المعاصرة ـ قعقعة سيوف عنترة، ولا تحمل كلّ صورها غلوّ أبي تمام ولا صولات المتنبي وفخاره.

العربية المعاصرة التي نودّ تحبيب الشباب فيها وترغيبهم في امتلاكها هي أداة تواصل ووسيط عمل يضمن إنتاج المعارف وتنوير العقول. فَرض اللغة بقوة السلطان ـ وإنْ كان سلطان القانون ـ قد يؤدي إلى قرنها في المخيال الشبابي بالاستبداد وسطوة الدولة، وقد يربطها بمصالح فئة مُتنفّذة، ذات امتيازات اجتماعية، وقد يشدّها إلى تلاعبات المُتاجرين بالدّين.


(1) تعليق


  • الدكتورجمال البدري

    السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أضمّ صوتي إلى تلك الأصوات الحريصة على لغتنا العربية المباركة.هناك أمرلم يلتفت إليه الكثيرون…وهوأنّ التفكيربغيراللغة الأصلية يعرقل الفكروالإبداع العلمي…لهذا سيادة أيّة لغة على الشباب العربيّ
    عملية يراد بها وشل وضمورلتفكيرهم العلمي الحضاري المبدع.ولن يكون للعرب سيادة علمية وما يترتب لها من حقــوق
    وواجبات إلا بسيادة اللغة الأم.فمنْ لا يفقه هذه العلاقة يتسبب بتخلف الأمة.فماذا ( اكتشف الشباب ) العربيّ اليوم من
    علوم أفادت الإنسانية ؛ والكثيرمنهم يرطن بلغات أجنبية ؟ لا شيء إلا شؤون الاستهلاك والمظاهرالخادعة.لهذا قلما نرى
    شخصيات عربية نالت جوائزعالمية ؛ من التي عاشت فقط في الدول الأجنبية.الإبداع قرين اللغة الأم.فبين اللغة والشخصية
    ترابط عضوي يرقى إلى الاندماج الجيني.مع التقدير.

    رد

إضافة تعليق