طالب الرفاعي يكتب: اللغة العربية.. وصلٌ مع العصر

طالب الرفاعي يكتب: اللغة العربية.. وصلٌ مع العصر

بتاريخ 18 ديسمبر 1973، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناءً على اقتراح قدَّمته المملكة العربية السعودية، قراراً يمكِّن من “إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة”. ومنذ قرابة أربعة وأربعين عاماً وأقطار الوطن العربي، وبعض محبي اللغة العربية، يحتفلون كل عام بيومها، كيوم للتغني باللغة العربية، لغة الضاد، لغة القرآن، ولغة عيش الملايين. لكن الملاحظ لما يدور على أوجه اللحظة الإنسانية العابرة من استخدامات للغة العربية يرى حالاً لا يسر!

اللغة، أي لغة هي كائن حي ينتعش وينمو ويكبر وقد يشيخ ويموت. لذا، فإن لغات العالم الحية تقوم كل سنتين أو أكثر بإصدار قواميس متفاعلة مع جديد اللغة. هذه القواميس تحذف البعيد والبائد والمتهالك من كلمات اللغة، وتضيف إليها كلمات ومصطلحات جديدة لحقت بها، عبر تفاعلها مع محيطها المحلي والعالمي، وهذا ما يجب أن ينطبق على اللغة العربية، لكنه للأسف لا وجود له. فمدارس ومعاهد وجامعات الوطن العربي ما زالت تعتمد مختار الصحاح، ولسان العرب، وغيرهما من معاجم اللغة، مرجعاً لمن أراد البحث عن أي جذر ومعنى أي كلمة وتصريفاتها. ولا يُلاحظ أي جهد ملموس وفاعل ومتفاعل لمجمعات اللغة العربية في إصدار قواميس جديدة ومتجددة.

إن العرب يعيشون كباقي أمم الأرض متفاعلين وفاعلين فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم والعالم من جهة أخرى. لذا، يلزم هذا التفاعل أن يكون وليد اللحظة، وفي الصلب من هذا اللزوم تأتي اللغة. وليس عيباً ولا ضعفاً أن تُطعم اللغة العربية بجديد العالم، من الكلمات المتداولة، التي أصبحت إرثاً إنسانياً متداولاً في شتى بقاع الأرض. فلا أظن أن عربياً ينادي على نادل في مطعم، بأي قُطر من أقطار الوطن العربي ليقول له: “هات لي يا فتى شاطر ومشطور وضع بينهما كامخ”، أو قل للتسهيل يقول: “هات لي شطيرة”.

إن اعتزازاً باللغة العربية وجذورها وأصولها وبيانها يحتم بالضرورة نظرة عطف عليها. فكلمة “تلفون” هي الكلمة التي تدل على معنى محدد ومتداول في شتى بقاع الأرض، ولو دلت كلمة “هاتف” على المعنى نفسه في اللغة العربية، فما المانع في قول “تلفون”. ومثلها كلمة “تلفزيون”، ولا أظن أن أحداً في طول وعرض الوطن العربي يشير إلى التلفزيون قائلاً: “التلفاز”. إذن، هناك هوة بين قواميس وكلمات اللغة العربية وما هو دارج على ألسنة الناس من نطق ومفردات ومعانٍ.

قد يبدو الأمر أكثر تعقيداً مع أثر الاستعمار الأجنبي في دول عربية، وإدخال أجيال وأجيال من أبناء العرب إلى المدارس الأجنبية. وكم تندرت قائلاً: يصعب جداً أن تشير لرجل إنكليزي أو فرنسي أو صيني أو ياباني أو.. أو..، وهو لا يعرف أن يتكلم لغته الأم. لكن كثرا هم أبناء الأمة العربية الذين لا يعرفون الكلام بها. لذا يتفاهم عربي مع عربي باللغة الإنكليزية، وهذا لا يحصل في أوروبا أو أميركا، بل على الأرض العربية، وعلى امتداد أقطار الوطن العربي!

نحن، وهنا أقصد جميع من يتكلم العربية، أمام تحدٍ كبير وحقيقي في المحافظة على لغتنا. وأزعم بألا شيء يحافظ على أي لغة إلا الكتاب، وبالتالي نحن بحاجة لكتب تأتي بلغة عربية تحاكي لغة العصر، بدءاً بالقواميس، مروراً بالكتب المدرسية والرسمية، وعبوراً جميلاً فوق كتب الأجناس الأدبية؛ قصة قصيرة، ورواية، وشعر، ومسرح، وصحافة وإعلام. ومؤكد على الكاتب والصحافي والإعلامي العربي أن يكونوا مخلصين لانتمائهم. فكيف يكون كاتباً أو إعلامياً أو صحافياً دون أن يلمّ بأداته الأساسية وهي اللغة؟! مؤكد أن على الكاتب العربي أن ينتمي للغته الأم، وأن يكتب بها. لذا، تأتي الكتابة باللهجة الدارجة، اللهجة العامية، لتشكل سكيناً حادة تنغرس في خاصرة اللغة. وكم يؤلم الأمر أن يحمل كاتب السكين ليطعن لغته وأداة تعبيره!

مقال رأي للكاتب الكويتي طالب الرفاعي نقلا عن صحيفة الجريدة الكويتية


إضافة تعليق