عبداللطيف الزبيدي يكتب: حدود المستطاع في اللغة

عبداللطيف الزبيدي يكتب: حدود المستطاع في اللغة

تبذل دولة الإمارات جهوداً استثنائية في ميادين الثقافة والقراءة وتعزيز اللغة العربية، ورغم غياب الرقم الدقيق في الإنفاق، فإنه ولا شك يتجاوز عشرات الملايين. نتوقف هنا عند اللغة بوصفها رمز الهويّة، التي تتجاوز حدود السيادة الترابية المحلّية إلى رقعة جغرافية من الماء إلى الماء.
في كل عام يلتقي المئات من الحريصين على العربية، سلامةً ووجوداً، يقدّمون مئات البحوث والدراسات، والنتيجة دائماً: «ما على الرسول إلاّ البلاغ»، أو «قل كلمتك وامش». لا أحد يستطيع أن يتوقع ما هو أكثر من ذلك على الصعيد العمليّ. الإمارات أيضاً لا تملك غير أن تقول لهم: أنتم أهل الاختصاص، لقد فتحت لكم الأبواب، فماذا أنتم فاعلون؟

في ملتقيات الأطباء يستعرض القوم أحدث الأساليب التي توصّل إليها الطب في مجال فرع معيّن، فيرجع كل واحد بزاد موفور. كذلك في منتديات المهندسين والاقتصاديين وغيرهم. أمّا علماء اللغة فالأمر مختلف. يحضر الأستاذ وفي دماغه مئة مشكلة، ويغادر وفي رأسه خمسمئة معضلة. يأتي ومعه عربية تعاني أمراضاً في القلب والشرايين والبنكرياس، ويمضي وقد اكتشف أنها مصابة بورم في المخ وفشل في الكلى وهشاشة في العظام. لا الآخرون استطاعوا العلاج منذ أمد بعيد، ولا هو يعرف سبيلاً إلى أيّ دواء ناجع، وحتى لو اكتشفوا الحلول، فإنهم سيصدمون ولا ريب، لأنهم يعرفون سلفاً أن علل اللغة العربية لا تستطيع أيّ دولة عربية علاجها بنفسها وبمفردها، حتى ولو أنفقت المليارات. بعبارة غير مبهمة، المسألة ليست وباء منتشراً، تنشئ مصنع دواء عملاقاً، ينتج الدواء فتوزعه وينتهي الأمر.

من دون تشاؤم وإحباط: مناعة اللغة العربية «مضروبة». القضيّة تنمويّة عامّة تتلخّص في عدم القدرة على إنتاج العلم. الباقي كله تفاصيل: تبسيط القواعد واختصارها وما إلى ذلك. شعوب غير قادرة على الحفاظ على حياتها، مشرّدة بين الخرائب، ونريد منها العكوف على سلامة العربية والاطمئنان على صحتها؟

الحلّ الممكن الوحيد هو دعم المؤتمرات، بتأسيس مؤسسة ثابتة، وحشر نخبة من علماء اللغة المجدّدين فيها، ليضربوا بسيف الإسكندر عراقيل تبسيط القواعد، وتعميمها على الدول العربية بعلاقات عامّة مقتدرة ومقنعة، في انتظار القفزة التنموية العلميّة البعيدة طبعاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشعرية: «إذا لم تستطع شيئا فدعهُ.. وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ». ما عدا ذلك لا جدوى عمليّة له، والله من وراء القصد.

مقال رأي للكتاب الإماراتي عبداللطيف الزبيدي نقلا عن صحيفة “الخليج” الإماراتية


إضافة تعليق