“ما موقع اللغة العربية من الإعراب؟”.. كتاب لـ”محمود الإخناوي”

“ما موقع اللغة العربية من الإعراب؟”.. كتاب لـ”محمود الإخناوي”

تناول الدكتور محمود الإخناوي، المحاضر في قسم اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في كتابه الصادر عن دار صفصافة بعنوان “ما موقع اللغة العربية من الإعراب؟”، الأحداث التي مرت بها اللغة العربية وأثرت فيها متسائلاً: “هل نحن بصدد دورة جديدة مشابهة لما مرت بها العربية منذ نشأتها؟!”. ويؤكد أن اللغة العربية رغم أنها حية نابضة في حياتنا، ورغم أنها لغة رسمية في الأمم المتحدة، إلا أن بعض المؤسسات العالمية والأكاديمية لا تعدّها لغة تواصل حية، وهو ما يدل على وجود مشكلة حقيقية.

ويواصل تساؤلاته: هل لغتنا حية نابضة لارتباطها بالمقدس الديني؟ وإذا كان كذلك، فهل هي لغة مقدسة؟ وإذا كانت لغة حية من منظور علمي، فهل هي حية كالكائن الحي منهجياً وعلمياً؟ ويقول: إن قضية ثنائية الفصحى والعامية وما بينهما من مستويات هي من أكثر القضايا جدلاً في أوساط المهتمين بعلوم اللغة العربية وتدريسها، والعاملين في مجال الترجمة من العربية وإليها، والعاملين في مجال الإعلام المرئي أو المقروء، والغيورين على لغة الضاد.

ويعتقد الباحث أن القضية تكمن هنا في مفهوم تطور العربية ومدى تقبلنا أواعترافنا بهذا التطور الذي يجعلها لغة حية نابضة على المستوى الدولي، وإلى أيّ مدى نسمح كمجتمعات عربية بتطورها، لا سيما وأن أي مواطن عربي يمكنه أن يلاحظ في حياته اليومية وعبر وسائل الإعلام، أن هناك لغة عربية يستمع إليها، ويقرأها، ويكتبها، لكن قواعدها ومفرداتها وتراكيبها تختلف باختلاف السياق وباختلاف البلد، بل والمدينة أو القرية، والموقف الذي تُستخدم فيه اللغة. ويشير إلى أن من يستمع إلى القرآن الكريم، يستمع إلى لغة تختلف في قواعدها وتراكيبها ومفرداتها ونطقها وسماتها عن نشرات الأخبار والتقارير الإخبارية، وعن لغة القانون والدساتير القومية والدولية، وعن لغة الحوارات السائدة في المجتمع من خلال البرامج الحوارية، وعن لغة الأم، وعن لغة البيع والشراء، وعن لغة الحرفيين، وعن لغة الأميين… إلخ. ويقول: إن هذه التنوعات أو المستويات اللغوية، أدت إلى ازداد الجدل حول طبيعة تعريف اللغة العربية في حد ذاتها وتطورها، فهناك فريق يرى أن اللغة العربية هي فقط الفصحى وهي لغة القرآن الكريم؛ وذلك بسبب اهتمام اللغويين العرب القدماء اهتماماً بالغاً بدراسة الفصحى، لغة القرآن الكريم، وهناك فريق آخر يرى أن هذه التنوعات أو المستويات في اللغة هي تطور طبيعي للغةٍ حية، “فنحن نصلّي بالعربية، ونتعلم بالعربية، ونؤلف بالعربية، ونقرأ بالعربية، ونكتب بالعربية، ونحاضر بالعربية، ونتناقش بالعربية، ونغني بالعربية، ونمزح بالعربية، ونتشاجر بالعربية، ونبكي بالعربية، ونبيع بالعربية، ونشتري بالعربية، ونغش بالعربية، وننصح بالعربية، ونكذب بالعربية، ونصدق بالعربية، ونكره بالعربية، ونحب بالعربية، ونقوم بكل نشاط لنا في المجتمع باللغة العربية”.

ويتابع الإخناوي: إن هناك فريقاً يرى أن العربية هي لغة كل إنسان عربي لغتُه الأم هي العربية، مهما كان مستوى تعليمه وثقافته ودينه، لأن اللغة ببساطة ملك للجميع. ويلفت النظر إلى أن بعض الفقهاء يرون أن العربية هي تلك اللغة المستخدمة في القرآن الكريم، وبعضهم يراها في لغة القانون والعلم، وبعضهم يراها حية في العاميات، لأن قواعد الفصحى جامدة لا تواكب التطور ولأنها ليست لغة حديث.ويرى المؤلف أن هذه الاختلافات وتلك الخلافات، أدت إلى وجود تصدع في مفهوم اللغة وكيفية تطويرها؛ بل ذهب الأمر ببعضهم إلى التشكيك في نوايا من يحاول التجديد في اللغة أو ذكر كلمة العاميات، معتبرين أن لغة القرآن الكريم لغة توقيفية، أي لغة إلهية لنزول القرآن الكريم بها، فالقرآن الكريم من أول حرف الباء في سورة الفاتحة وحتى آخر حرف فيه في سورة الناس مقدس بذلك الترتيب الإلهي.

ويؤكد أن المشكلة في موضوع تقديس اللغة تكمن عندما نحول اللغة إلى أيدولوجية دينية؛ فأكثر ما يسيء إلى مفهوم الأيديولوجية هو اعتقاد من يؤمن بها بأنه أفضل من الآخرين في فكره وفيما يؤمن به، كما أن مؤيديها “يتعاملون مع الآخرين كأنهم مندوبو مبيعات يروجون لتلك الأيديولوجية؛ ومن هنا، نجد سمات مشتركة في أي أيديولوجية، ومنها أيديولوجية تقديس اللغة، ومن هذه السمات: معاداة الآخر، والحض على كراهيته”.

ويعتقد المؤلف أن وضع العربية القائم على الازدواجية متأصل منذ القرون الأولى قبل مجيء الإسلام، ثم جاء الإسلام بلسان عربي مبين وبالقرآن الكريم متوّجاً للّغة وموحّداً للقبائل العربية، إلا أن العربية مرت بمراحل وتحديات عدة أثناء الفتوحات الإسلامية وحتى العصر الحديث، كان لها أثر في زيادة الفجوة بين الخصائص اللغوية في القرآن الكريم والعاميات، مما أدى إلى وجود مستويات لغوية في العربية.

ويتحدث عن فصحى التراث التي هي لغة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الصحيحة بخصائصها اللغوية والصوتية والنحوية، وهي الجامعة لكل المسلمين دينياً؛ لكن خصائص فصحى العصر تشمل كونها لغة العلم والأدب والقوانين والنشرات الإخبارية والاتفاقيات الرسمية، وهي اللغة التي تعترف بها الأمم المتحدة كإحدى لغاتها الخمس الرسمية، وهي أيضاً الجامعة لكل العرب سياسياً، ورغم احتفاظها بخصائص قواعد النحو، إلا أنها تختلف عن فصحى التراث في مرونتها في تقبل كلمات جديدة وتخلصها -عن طريق تسكين أواخر الكلمات- من علامات الإعراب إلى حد كبير.

ويشير المؤلف إلى أن اللغة العربية بدأت في صنع واقع جديد بتزاوجها مع المجتمعات العربية، ومن شواهد هذا التزاوج ما نراه من تقدم تكنولوجي في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وما يحدث في المنطقة العربية الآن من أحداث سياسية واجتماعية متمثلة في رياح التغيير العاتية والتي تتشابه إلى حد كبير مع الأحداث التي مرت بها العربية من قبل ظهور الإسلام وحتى عصر النهضة الحديثة؛ فالعربية تمر بالامتحان نفسه الذي مرت به في تلك الأحداث السابقة، وكل ذلك من خلال الواقع الجديد الذي يفرض نفسه في كل الشواهد من حولنا.

ويرى المؤلف أن العربية “حبلى”، وأن هناك عربية “جنينية”جديدة بدأت في تكوين أعضائها وسماتها في رحم الأم، وهذا الطور الجنيني إنما ينمو ويتطور متحدياً الصعوبات التي تواجه أبناء الوطن العربي وصراعاته وتعصباته العرقية والدينية، ملبياً احتياجات مستخدمي اللغة، ومبتعداً عن إذن ولاة الأمور بصلاحية كلمة أو تركيب يتفق مع علامات الإعراب.

المصدر: صحيفة “عمُان”


إضافة تعليق