اللغة العربية بين البساطة والتعقيد

اللغة العربية بين البساطة والتعقيد

تواجه اللغة العربية تحديات كبرى بسبب ابتعاد معظم المجتمعات العربية عن التحدث بها والإيغال في اللهجات المحلية العامية بالإضافة إلى ازدياد الدعوات من هنا وهناك إلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية خاصة بعد اتساع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وغيرها وصارت الكتابة عبرها باللغة العامية في معظم الحالات بالحروف العربية واللاتينية بالإضافة إلى غزو المفردات الأجنبية أحاديثنا العادية أو على الفضائيات بالرغم من وجود كلمات عربية تقابلها لذلك بات البحث عن آلية لمواجهة هذه التحديات مسألة ملحة.

حول هذا الموضوع أقامت مديرية الثقافة بحلب بالتعاون مع جمعية أصدقاء اللغة العربية محاضرة بعنوان (اللغة العربية بين الوسطية والتعقيد) تحدث فيها الباحث أحمد علي الهويس رئيس فرع نقابة المعلمين بحلب عن ضرورة الابتعاد عن الإفراط في التعمد باختيار ألفاظ غير مطروقة أو مألوفة ولها بالمقابل مرادفات سهلة وأيضاً الابتعاد عن التفريط باللغة من خلال الإيغال بالعامية خاصة إذا خالطتها بعض المصطلحات والألفاظ الأجنبية وكأن لغتنا عاجزة عن التعبير وتحتاج الاستعانة بمفردات أجنبية لتوضيح الفكرة ومبعث ذلك هو الشعور بالدونية تجاه الآخرين بالرغم من أن اللغة العربية هي لغة حية متجددة تساير الزمان والمكان وبالتالي هي لغة حضارية كانت ولا تزال الوعاء الذي يعكس طبيعة هذه الأمة من المحيط إلى الخليج وهي الرابط الذي يحفظ وحدتها وتماسكها بل ويعكس هويتها الحضارية والفكرية في مسيرة الحضارة الإنسانية وتطورها.

فهل يمكن لهذه اللغة أن تتخشب أو تتحجر وبالتالي تؤول للموت والفناء أم أنها ستتلاشى في خضم تزاحم اللهجات والغوص في العامية المفرطة؟.

بداية علينا أن نطمئن إلى أن لغتنا العربية خالدة وباقية لأنها لغة القرآن لذلك فلا خوف عليها مطلقاً لأنها باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وأشار الهويس إلى أن اللغة العربية في العصر الجاهلي لم تختلف حتى يومنا عن المألوف في اللفظ القرآني بل هي مستساغة لأسماعنا إلى اليوم ودليل على ذلك أننا ما زلنا نردد أشعار زهير بن أبي سلمى والنابغة وامرئ القيس وعنترة رغم التباعد الزمني الكبير بيننا وبينهم وما زلنا نتغنى بها ونرددها فأين التعقيد في قول عنترة :

ولقد ذكرتك والرماح نواهل     مني وبيض الهند يقطر من دمي

فوددت تقبيل الرماح لأنها       لمعت كبارق ثغرك المتبسم

أو ما نسب لامرئ القيس:

أجارتنا إن المزار قريب    وإني مقيم ما أقام عسيب

أجارتنا إنا غريبان ها هنا    وكل غريب للغريب نسيب

ألا يبدو ذلك سهلاً ومستساغاً لمعظمنا بالرغم من أن هناك شعراء يكتبون اليوم ما هو أعقد وأصعب وبالمقابل ألا نجد فئة رأت في العامية المحلية متسعاً لنشر إبداعاتها كالشاعر عمر الفرا من سورية والشاعر هشام الحج من مصر وغيرهم رغم إبداعهم بالشعر الفصيح واستساغة فئة كبيرة من الشارع العربي لإبداعاتهم.

واختتم الهويس حديثه بالتساؤل عن إمكانية اختيار لغة فصيحة مبسطة لا هي معقدة ولا عامية تكون سهلة التداول ويمكن فهمها لدى كل الأوساط العربية المثقفة منها والشعبية خاصة أن اللغة العربية قادرة على التمدد والاتساع ويمكنها نقل المدلول بكل دقة ووضوح فالغالبية العظمى من مفرداتنا اليومية هي مفردات عربية صحيحة فلماذا لا نحذف من مصطلحاتنا الألفاظ الغريبة ونستبدلها بألفاظ أرق وأجمل من معجمنا العربي؟ أليس حرياً في هذا المأزق التاريخي الصعب أن نجعل من هذه اللغة المبسطة جسراً يوحد جسد الأمة المتفتت؟.

وفي ختام المحاضرة دارت حوارات ونقاشات أكدت ضرورة تضافر جهود المعنيين وخاصة وسائل الإعلام للوصول إلى لغة عربية بسيطة لا يوجد فيها ألفاظ أجنبية ومفهومة من قبل الجميع.

أدار الحوارات الأديبة سها جودت رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء اللغة العربية واستمع إليها جابر الساجور مدير الثقافة بحلب وأحلام استانبولي مديرة المراكز الثقافية وحشد من الأدباء والمثقفين والمعلمين.

مقال رأي للكاتب سعد الراشد نقلا عن صحيفة “الجماهير” السورية

 


إضافة تعليق