بقلم د/ سامي الرشيد “اللغة العربية أساس الوحدة”

بقلم د/ سامي الرشيد  “اللغة العربية أساس الوحدة”

العروبة بمعناها المجدي يجب ان تكون ثقافية بالدرجة الاولى , ومن الثقافة تستمد معناها الحقيقي , وهي منفتحة وتقبل المواطن من اي عرق او جنس او دين او مذهب , ضمن نطاقها الثقافي دون الغاء الثقافات الاخرى الشريكة في الوطن العربي كله .

العروبة هذه هي عروبة اللغة العربية , وعاء الهوية الحضارية التي تصل بين كل العرب ,وما تنوع نطقهم بالعربية ولهجاتهم فيها الا رمز قوي لامكانية الانتماء الى اطار حضاري واسع مع المحافظة على الاختلاف المحلي والقطري داخل الوطن الواحد .

لقد كانت هذه اللغة الوسيلة الوحيدة التي تحتوي ضمن اصواتها ومعانيها ودلالاتها وذكرياتها وتاريخها وشعرها ونثرها , كل ما تمثله العروبة وكل ما جمعته لنفسها عبر تاريخ طويل وصعب ملئ بالاحداث العظام , وكل ما يمكن ان تحمله معها في رحلتها نحو المستقبل .

لقد اججت القومية العربية في نهضتها ومطالبتها بالوحدة ملايين البشر في منتصف القرن العشرين , ولكنها اجهضت نتيجة الهزائم المتلاحقة التي منيت بها, منذ انفراط عقد الوحدة الهاشمية بين العراق والاردن عام 1958 والانفصال لوحدة مصر وسوريا عام1961 وحرب اليمن وحرب 1967 وضياع الضفة الغربية من الاردن وايلول الاسود 1970 وسقوط الجولان 1973 وحرب لبنان الاهلية 1975 ودخول سوريا للبنان 1976 واحتلال اسرائيل لجزء من جنوب لبنان 1982 وخروج مصر من الصف العربي بعد معاهدة كامب ديفيد ثم حرب العراق وايران 1982 التي استمرت ثماني سنوات ودخول العراق للكويت وتدمير العراق واحتلاله عام 2003 والاستمرار بتقسم الامة العربية في سوريا والعراق والبلدان الاخرى حتى العام الحالي.

كل ذلك خوفا من وحدتنا وتآمر التآمرين علينا للسيطرة على مقدراتنا الهائلة وموقعنا الجغرافي المتميز .

بعد كل ذلك ,يجب الا نيأس ولا بد للمثقفين والسياسيين والمواطنين العرب , من صياغة هوية عربية معاصرة ومتحررة وواعية , التي تفضل المواطنة على كل انتماء آخر .

هؤلاء العروبيين الجدد يجب ان يعملوا لصالح وطنهم الذي ينتمون اليه , ويركزون على البعد الثقافي , البعد المتعدد الثقافات والمتفاعل مع الآخرين ,الذي عاشه تاريخنا في أغلبه وفي لحظاته المضيئة كلها .

لكن الثقافة يجب ان تكون متكاملة , ولا يكون هناك انفصال بين الثقافتين العلمية من ناحية والانسانية والادبية من ناحية أخرى , بحيث لا يصبح ابناء كل ثقافة يتحدثون بلغة لا يفهما ابناء الثقافة الاخرى .

على الرغم انه بالماضي لم يكن هناك فصل بين العالم والفيلسوف .

لم يكن هناك فرق بينهما خلال العصور القديمة حتى عصر النهضة , وربما حتى نهاية القرن الثامن عشر .
كان أرسطو وكذلك افلاطون يتحدثان في الفلسفة والسياسة والاخلاق , بنفس القدر الذي يتحدثان به في امور الطبيعة ( الفيزياء ) أو الرياضيات , بل ان افلاطون قد سطر على باب أكاديميته ان من ( لا يعرف الهندسة لا مكان له عندنا ).

استمر هذا النمط لما بعد عصر النهضة ,ان ديكارت لا يشار اليه فقط من خلال افكاره الفلسفية ,بل لعل اسهاماته واكثرها رسوخا في الهندسة التحليلية ,كما ان الفلاسفة العرب مثل الرازي وابن رشد وابن سينا والغافقي والفارابي والخوارزمي وابن خلدون وغيرهم , كانوا يجمعون بين الثقافتين العلمية والادبية ,فمنهم الاطباء والمهندسون والرياضيون وعلماء الاقتصاد والفلك والاحصاء والموسيقى والسياسة بالاضافة لعلوم الفقه والفلسفة واللغة والادب .

لكن في العصر الحديث بدأ الانفصال بين الثقافة العلمية والثقافة الادبية والانسانية لمزيد من التركيز والتخصص .
ان ركزنا على ثقافتنا واستفدنا من لغتنا في جمع شملنا وعملنا على تطوير امكانات امتناالعظيمة ,لتجاوزنا السلبيات وما يدور حولنا من اخفاقات ومؤامرات وتراجع للخلف ,لعدنا كامة يحتاجها العالم كله ويشار لها بالبنان .


إضافة تعليق