د.غازي تدمري يكتب: حينما كانت العربية لُغة العِلم

د.غازي تدمري يكتب: حينما كانت العربية لُغة العِلم

خلال العصور الوسطى في التاريخ الأوروبي، دخلت العديد من الكلمات العربية إلى اللغة الإنجليزية ومن بينها الكثير من المصطلحات في الرياضيات والفلك والكيمياء. فكلمة alchemy دخلت اللغة الإنجليزية في القرن الرابع عشر من الكلمة العربية الكيمياء. كما أضيفت عبارات alkali القلوية، وalgorithm الخوارزمية، وalembic الإنبيق، إلى معجم اللغة الإنجليزية في نفس الوقت تقريباً. وتؤكّد “أل” التعريف الموجودة في بداية تلك الكلمات أصولها العربية. فعلى سبيل المثال، تشتق كلمة alkili من كلمة القلويات والتي كانت تُعرَّف في ذلك الوقت بأنّها “رماد نبات الشنان”. أمّا alembic فتشتق من اسم الإنبيق وهو جهاز كان يُستخدم سابقاً في التقطير.

كانت الحضارة الإسلامية في أوجها خلال تلك العصور، وكانت اللغة العربية هي لغة التعليم والثقافة والتقدم الفكري لأكثر من 500 سنة. وفي القرن التاسع، تُرجمت معظم الأطروحات العلمية والفلسفية اليونانية الكلاسيكية إلى اللغة العربية. حقّق الباحثون والعلماء والأطباء وعلماء الرياضيات العرب تقدماً كبيراً في اكتساب المعارف، وقد ساهمت الجامعات الإسلامية في الأندلس بانتقالها إلى غرب أوروبا. ويدين علماؤنا اليوم لعلماء الرياضيات العرب الذين طوّروا حساب النظام العشري وسمّوا الرقم zero، والذي يرادفه بالإنجليزية عبارة cipher، وكلّها تشتقّ من كلمة الصِفْر العربية والتي تعني الفراغ.

انتشرت اللغة العربية في إنجلترا في الفترة ما بين القرنين الـ11 والـ13 وكانت تُدرّس على نطاق واسع. ومكّنت هذه المعرفة الباحث الأوروبي آبيلارد باث من ترجمة الجداول الفلكية للخوارزمي من اللغة العربية إلى اللاتينية في بداية القرن الثاني عشر وساهم في إدخال مصطلحين رياضيين هما: algebra الجبر وalgorithm الخوارزمية. وقد اقتبست كلمة الخوارزمية من اسم العالم الخوارزمي. أمّا مصطلح algebra فيعود أصله لكلمة الجبر في العربية والتي تعني “لمّ شمل الأجزاء المكسورة”. واستعمل الخوارزمي مصطلح الجبر في إحدى دراساته التي حملت عنوان “حساب الجبر والمقابلة”. وما يزيد الأمر غرابة، هو احتفاظ كلمة “الجبر” بكامل معانيها في اللغة العربية والإنجليزية على حدّ سواء، فهي تعني بالعربية التدخّل الجراحي للكسور أو في إعادة العظام إلى وضعها الطبيعي، كما يشير قاموس أوكسفورد الإنكليزي (ط. عام 1565) إلى أنّ الكلمة كانت تستعمل تاريخياً في اللغة الإنجليزية للتعبير عن “العلاج الجراحي للكسور”.

تمثّلت أعظم إسهامات العلماء العرب بتطوير المعارف في علوم الفلك. وفي حال نظرنا إلى الخرائط الحديثة للنجوم سنجد المئات من النجوم التي تستمد أسماءها من اللغة العربية كما في: altair الطائر، وaldebaran الدَبَران (أي التابع)، وbetelgeuse منكب الجوزاء، وvega الواقع، وrigel رجل الجوزاء اليسرى، وalgol الغول. وتستعمل كلمة الغول في العربية للتعبير عن الشيطان أمّا الصّفة ghoulish في الإنكليزية فتستعمل لكل ما يوصف بالشنيع أو القذر. وقد سُمّي نجم الغول بهذا الإسم لأنه نجم ثنائي له مظهرٌ شبحي، فتارةً كان يبدو ضبابياً وتارة يختلف سطوعه ويتكرر ذلك مرّة كل يومين.

وبعيداً عن أسماء النجوم من الممكن ملاحظة العديد من المصطلحات العربية مثل: zenith الذروة وnadir الحضيض وazimuth السمت. ومن علوم الكيمياء العربية، كلمتا talisman طلسم وelixir الإكسير، ومن علوم الفلك مصطلح almanac المناخ، ومن علوم الأوزان وحدتي القياس carat القيراط وream رزمة أو حزمة. أمّا المصطلح الذي يتطلب الوقوف عنده فهو average أيّ المتوسّط (في الرياضيات)، ويستمدّ أصله من كلمة “العوار” ويعني البضائع التالفة. وقصّة ذلك أنّ السفينة إن غرقت وتلفت حمولتها من البضائع في البحر كانت توزّع تكاليفها مناصفة (بالمتوسط) على جميع التجار الذين شحنوا بضائعهم في تلك السفينة. أمّا كلمة alcohol فمصدرها كلمة الكحل، وهو مسحوق أسود ناعم يستخدم كنوع من التظليل الطبي للعيون.

وكانت تستعمل مادة “الكحول” لتكرير معدن الستبنايت الطبيعي وتحويله إلى كبريت الأنتيموان (أي روح المعدن) وهو المادة الرئيسية في الكُحْل، ومن هنا أصل التسمية “الكحول” أو “السائل الروحي”. وفي وقت متأخّر من القرن التاسع عشر، ذكر الشاعر صامويل كولريدج في إحدى مقالاته عن شكسبير أنّه يمكن وصف الشرير lago ياغو باسم “كحول- أي روح- الأنانية الخالص”.

وبعد أن صالت اللغة العربية وجالت شرقاً وغرباً، أفل نجمها الساطع في القرون الأخيرة لتتربّع لغات أخرى على عروش العلوم.

مقال رأي للدكتور غازي تدمري نقلا عن صحيفة “البيان” الأسبوعية اللبنانية


إضافة تعليق